الموسوعة القرآنيّة - ج ٣

ابراهيم الأبياري

الموسوعة القرآنيّة - ج ٣

المؤلف:

ابراهيم الأبياري


الموضوع : القرآن وعلومه
الناشر: مؤسسة سجل العرب
الطبعة: ٠
الصفحات: ٤٢٤

وكذلك (ننشرها) و (نُنْشِزُها) لأن الإنشار : الإحياء ، والإنشاز : هو التحريك للنقل ، والحياة حركة ، فلا فرق بينهما.

وكذلك (فُزِّعَ عَنْ قُلُوبِهِمْ) و (فرغ) ، لأن فزع : خفف عنها الفزع ، وفرغ : فرغ عنها الفزع.

ثم قال ابن قتيبة : وكل ما فى القرآن من تقديم أو تأخير ، أو زيادة أو نقصان ، فعلى مثل هذا السبيل.

* * *

والأمر فى القراءات كما يبدو لك ، ينحصر فى أحوال ثلاث :

الأولى ـ وهى تتصل بأحرف العرب أو لغاتها ، وهى التى قدمنا منها مثلا فى الإمالة والإشمام والترقيق والتفخيم ، وغير ذلك مما لفظت به القبائل ولم تستطع ألسنتها غيره ، وهذا الذى قلنا عنه : إنه المعنى بالأحرف السبعة التى جاءت فى الحديث.

يقول الطحاوى أحمد بن محمد فى كتابه «فى الآثار» : ما من شك فى أن ذلك كان رخصة للعرب يوم أن كانوا لا يستطيعون غيره ، وكان من العسير عليهم تلاوة القرآن بلغة قريش.

ثم ما من شك فى أن هذه الرخصة قد نسخت بزوال العذر وتيسر الحفظ وفشو الضبط وتعلم القراءة والكتابة.

وأسوق إليك ما قاله الطبرى بعد ما سقت إليك ما قاله الطحاوى ، يقول الطبرى :

ثم لما رأى الإمام أمير المؤمنين عثمان بن عفان رضى الله تعالى عنه اختلاف الناس فى القراءة وخاف من تفرق كلمتهم ، جمعهم على حرف واحد ، وهو هذا المصحف الإمام ، واستوثقت له الأمة على ذلك ، بل أطاعت ورأت أن فيما فعله المرشد والهداية ، وتركت القراءة بالأحرف السبعة التى عزم عليها إمامها العادل

١٤١

فى تركها ، طاعة منها له ، ونظرا منها لأنفسها ولمن بعدها من سائر أهل ملتها ، حتى درست من الأمة معرفتها وعفت آثارها ، فلا سبيل اليوم لأحد إلى القراءة بها لدثورها وعفو آثارها. فإن قال من ضعفت معرفته : وكيف جاز لهم ترك قراءة أقرأهم إياها رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم وأمرهم بقراءتها؟ قيل : إن أمره إياهم بذلك لم يكن أمر إيجاب وفرض ، وإنما كان أمر إباحة ورخصة.

الثانية : وهى تتصل برسم المصحف وبقائه فترة غير منقوط ولا مشكول إلى زمن عبد الملك ، حين قام الحجاج بإسناد هذا إلى رجلين ، هما : يحيى بن يعمر والحسن البصرى ، فنقطاه وشكلاه.

ولقد حفظ الله كتابه بالحفظة القارئين أكثر مما حفظه بالكتاب الكاتبين ، ثم كانت إلى جانب الحفظ حجة أخرى على الرسم ، وهى لغة العرب أقامت الرسم لتدعيم الحفظ ولم تقم الحفظ لتدعيم الرسم. وكان هذا ما عناه عثمان : أرى فيه لحنا وستقيمه العرب بألسنتها. ولقد أقامته العرب بألسنتها وتركت الرسم على حاله ممثلا فى مصحفه الإمام الذى كان حريصا على أن تجتمع عليه الأمة الإسلامية ، من أجل ذلك أحرق ما سواه.

وكان أول شىء عمله الحجاج ، بعد ما فرغ من نقط المصحف وشكله ، أن وكل إلى عاصم الجحدرى ، وناجية بن رمح ، وعلى بن أصمع ، أن يتتبعوا المصاحف وأن يقطعوا كل مصحف يجدونه مخالفا لمصحف عثمان ، وأن يعطوا صاحبه ستين درهما. وفى ذلك يقول الشاعر :

وإلا رسوم الدار قفرا كأنها

كتاب محاه الباهلى ابن أصمعا

ونحن اليوم فى أيدينا هذا المصحف الإمام أقوم ما يكون ضبطا ، وأصح ما يكون شكلا ، فما أغنانا به عن كل قراءة لا يحملها رسمه ، ولا يشير إليها ضبطه ، من تلك القراءات التى كانت تلك حالها التى بسطتها لك.

١٤٢

الثالثة : وهى التى تتصل بإحلال كلمة مكان كلمة ، أو تقديم كلمة على كلمة ، أو زيادة أو نقصان.

وما أظن هذه يعتد بها بعد أن أصبح فى أيدينا المصحف الإمام ، هيأه لنا عثمان فى الأولى ، وزفّه إلينا الحجاج فى الثانية ، وما كان هذان العملان إلا خطوتين : خطوة تدعم خطوة في سبيل الوحدة الكاملة لكتاب الله ، كما حفظه الله على لسان الحفظة من الصحابة والتابعين.

* * *

(٦٦) القراء :

ولقد كانت كتابة المصحف بلغة قريش ، أو بحرف قريش ، بذلك أمر عثمان زيد بن ثابت ، وعبد الله بن الزبير ، وسعيد بن العاص ، وعبد الرحمن بن الحارث ابن هشام ، وهم ينسخون المصاحف ، وقال لهم : إذا اختلفتم أنتم وزيد بن ثابت فى شىء فاكتبوه بلسان قريش فإنما نزل بلسانهم.

وأرسل عثمان المصاحف إلى الأمصار ، وأخذ كل أهل مصر يقرءون بما فى مصحفهم ، يتلقون ما فيه عن الصحابة الذين تلقوا عن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، ثم قاموا بذلك مقام الصحابة الذين تلقوه عن النبى صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، فكان بالمدينة نفر ، منهم : ابن المسيب ، ومعاذ بن الحارث ، وشهاب الزهرى ، وكان بمكة نفر ، منهم : عطاء ، وطاوس ، وعكرمة. وبالكوفة نفر ، منهم : علقمة والشعبى ، وسعيد بن جبير. وبالبصرة نفر ، منهم : الحسن ، وابن سيرين ، وقتادة. وبالشام نفر ، منهم : المغيرة بن أبى شهاب المخزومى ، صاحب عثمان بن عفان.

ثم تجرد قوم للقراءة واعتنوا بضبطها أتم عناية حتى صاروا فى ذلك أئمة يقتدى بهم ويرحل إليهم ويؤخذ عنهم ، وأجمع أهل بلدهم على تلقى قراءتهم بالقبول ، ولم يختلف عليهم فيها اثنان ، ولتصديهم للقراءة نسبت إليهم.

١٤٣

فكان بالمدنية نفر ، منهم : أبو جعفر يزيد بن القعقاع ، ثم نافع بن أبى نعيم. وكان بمكة نفر ، منهم : عبد الله بن كثير ، ومحمد بن محيض. وكان بالكوفة نفر ، منهم : سليمان الأعمش ، ثم حمزة ، ثم الكسائى. وكان بالبصرة نفر ، منهم : عيسى بن عمر ، وأبو عمرو بن العلاء. وكان بالشام نفر ، منهم : عبد الله ابن عامر ، وشريح بن يزيد الحضرمى.

غير أن القراء بعد هذا كثروا وتفرقوا فى البلاد وانتشروا فى الأقطار ، وكاد يدخل على هذا العلم ما ليس فيه ، فشمر لضبطه وتنقيته أئمة مشهود لهم ، منهم :

(١) الإمام الحافظ الكبير أبو عمرو عثمان بن سعيد بن عثمان بن سعيد الدانى ، من أهل دانية بالأندلس. وكانت وفاته سنة أربع وأربعين وأربعمائة ، وكتابه فى هذا الباب هو : التيسير.

(٢) الإمام المقرئ المفسر أبو العباس أحمد بن عمارة بن أبى العباس المهدوى ، المتوفى بعد الثلاثين وأربعمائة ، وله كتاب الهداية.

(٣) الإمام أبو الحسن طاهر بن أبى الطيب بن أبى غلبون الحلبى ، نزيل مصر ، وتوفى بها سنة تسع وتسعين وثلاثمائة ، وله : كتاب التذكرة.

(٤) الإمام أبو محمد مكى بن أبى طالب القيروانى. وكانت وفاته سنة سبع وثلاثين وأربعمائة بقرطبة ، وله كتاب : التبصرة.

(٥) الإمام أبو القاسم عبد الرحمن بن إسماعيل ، المعروف بأبى شامة : وله كتاب المرشد الوجين.

ولقد كان رائد هؤلاء جميعا فيما أخذوا فيه أن كل قراءة وافقت العربية ولو بوجه ، ووافقت المصحف الإمام ، وصح سندها ، فهى قراءة صحيحة لا يجوز ردها ولا يحل إنكارها.

١٤٤

وإذا اختل ركن من هذه الأركان كانت تلك القراءة ضعيفة أو شاذة أو باطلة.

وفى ظل هذه القيود التى أجمع عليها القراء :

(١) الموافقة للعربية ولو بوجه.

(٢) الموافقة للعربية ولو بوجه.

(٣) أو يصح سندها.

قام الأئمة بتأليف كتب فى القراءات ، وكان أول إمام جمع القراءات فى كتاب هو أبو عبيد القاسم بن سلام ، المتوفى سنة أربع وعشرين ومائتين. وقد جعل القراءات نحوا من خمس وعشرين قراءة ، وتوالى بعده أئمة مؤلفون جمعوا القراءات فى كتب ، منهم من جعلها عشرين ، ومنهم من زاد ومنهم من نقص ، إلى أن كان الأمر إلى أبى بكر أحمد بن موسى بن العباس بن مجاهد ، فاقتصر على قراءات سبع لقراء سبع ، هم : عبد الله بن كثير ، فى مكة ، ونافع بن أبى رويم ، فى المدينة ، وأبو عمرو بن العلاء ، فى البصرة ، وعاصم بن أبى النجود ، وحمزة ابن حبيب الزيات ، وعلى الكسائى ، فى الكوفة ، وعبد الله بن عامر ، فى الشام.

ثم جاء بعده من رفعها إلى عشر ، نذكر منهم إماما متأخرا ، وهو : ابن الجزرى أبو الخير محمد بن محمد ، المتوفى سنة ٨٣٣ ه‍ ، وكتابه هو : النشر فى القراءات العشر.

والقراء الثلاثة الذين زادوا على السبعة ، هم : يزيد بن القعقاع ، فى المدينة ، ويعقوب الحضرمى ، فى البصرة ، وخلف البزار ، فى الكوفة.

هذا غير قراء جاءوا بقراءات شاذة ، كان على رأسهم ابن شنبوذ ، المتوفى سنة ٣٢٨ ، ثم أبو بكر العطار النحوى ، المتوفى سنة ٣٥٤ ه‍.

* * *

(ـ ١٠ ـ الموسوعة القرآنية ـ ج ٣)

١٤٥

(٦٧) القسم :

جملة يؤكد بها الخبر ، ولقد أقسم سبحانه بثلاثة أشياء :

(١) بذاته ، كقوله تعالى : (فَوَ رَبِّ السَّماءِ وَالْأَرْضِ) الذاريات : ٢٣.

(٢) بفعله ، كقوله تعالى : (وَالسَّماءِ وَما بَناها) الشمس : ٥.

(٣) مفعوله ، كقوله تعالى : (وَالنَّجْمِ إِذا هَوى) النجم : ١.

* * *

(٦٨) قصص الأنبياء :

تكرارها ، لفائدة خلت عنها فى الموضع الآخر ، وفيه أمور :

(١) إنه إذا كرر القصة زاد فيها شيئا.

(٢) إن الرجل كان يسمع القصة من القرآن ثم يعود إلى أهله ، ثم يهاجر بعده آخرون يحكون عنه ما نزل بعد صدور الأولى ، وكان أكثر من آمن به مهاجريّا ، فلولا تكرر القصة لوقعت قصة موسى إلى قوم ، وقصة عيسى إلى آخرين ، وكذلك سائر القصص ، فأراد الله سبحانه وتعالى اشتراك الجميع فيها ، فيكون فيه إفادة القوم وزيادة تأكيد وتبصرة لآخرين ، وهم الحاضرون.

(٣) تسليته لقلب النبى صلى‌الله‌عليه‌وسلم مما اتفق للأنبياء مثله مع أممهم ، يقول تعالى : (وَكُلًّا نَقُصُّ عَلَيْكَ مِنْ أَنْباءِ الرُّسُلِ ما نُثَبِّتُ بِهِ فُؤادَكَ) هود : ١٢٠.

(٤) إن إبراز الكلام الواحد فى فنون كثيرة وأساليب مختلفة فيه من الفصاحة ما فيه.

(٥) إن الدواعى لا تتوفر على نقلها توفرها على نقل الأحكام ، فلهذا كروت القصة دون الأحكام.

(٦) إن الله تعالى أنزل هذا القرآن ، وعجز القوم عن الإتيان بمثل آية ،

١٤٦

لصحة نبوة محمد صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، ثم بين وأوضح الأمر فى عجزهم ، بأن كرر ذكر القصة فى مواضع إعلاما بأنهم أعجز عن الإتيان بمثله بأى نظم جاءوا ، وأى عبارة عبروا.

(٧) إنه لما سحر العرب بالقرآن ، قال تعالى : (فَأْتُوا بِسُورَةٍ مِنْ مِثْلِهِ) البقرة : ٢٣ ، وقال فى موضع آخر : (فَأْتُوا بِعَشْرِ سُوَرٍ) هود : ١٣ ، فلو ذكر قصة آدم مثلا فى موضع واحد واكتفى بها لقال العربى بما قال الله تعالى : (فَأْتُوا بِسُورَةٍ مِنْ مِثْلِهِ) : ائتونا أنتم بسورة من مثله ، فأنزلها سبحانه فى تعداد السور دفعا لحجتهم من كل وجه.

(٨) إن القصة الواحدة من هذه القصص ، كقصة موسى مع فرعون ، وإن ظن أنها لا تغاير الأخرى ، فقد يوجد فى ألفاظها زيادة ونقصان وتقدم وتأخر ، وتلك حال المعانى الواقعة بحسب تلك الألفاظ ، فإن كل واحدة لا بد وأن تخالف نظيرتها من نوع معنى زائد منها ، لا يوقف عليه إلا منها دون غيرها ، فكأن الله تعالى فرق ذكر ما دار بينهما وجعله أجزاء ، ثم قسم تلك الأجزاء على تارات ، لتكرار ، لتوجد متفرقة فيها ، ولو جمعت تلك القصص فى موضع واحد لأشبهت ما وجد الأمر عليه فى الكتب المتقدمة من انفراد كل قصة منها بموضع ، كما وقع فى القرآن بالنسبة ليوسف عليه‌السلام خاصة.

(٩) إن التكرار فيها مع سائر الألفاظ لم يوقع فى اللفظ هجنة ، ولا أحدث مللا ، فباين بذلك كلام المخلوقين.

(١٠) إنه ألبسها زيادة ونقصانا وتقديما وتأخيرا ليخرج بذلك الكلام أن تكون ألفاظه واحدة بأعيانها ، فيكون شيئا معادا ، فنزهه عن ذلك بهذه التغييرات.

(١١) إن المعانى التى اشتملت عليها القصة الواحدة من هذه القصص متفرقة

١٤٧

فى تارات التكرير ، فيجد البليغ ، لما فيها من التغيير ، ميلا إلى سماعها ، لما جبلت عليه النفوس من حب التنقل فى الأشياء المتجددة التى لكل منها حصة من الالتذاذ به مستأنفة.

(١٢) ظهور الأمر العجيب من إخراج صور متباينة فى النظم بمعنى واحد ، وقد كان المشركون فى عصر النبى صلى‌الله‌عليه‌وسلم يعجبون من اتساع الأمر فى تكرار هذه القصص والأنباء مع تغاير أنواع النظم وبيان وجوه التأليف ، فعرفهم الله سبحانه وتعالى أن الأمر بما يتعجبون منه مردود إلى قدرة من لا تلحقه نهاية ، ولا يقع على كلامه مدد ، لقوله تعالى : (قُلْ لَوْ كانَ الْبَحْرُ مِداداً لِكَلِماتِ رَبِّي لَنَفِدَ الْبَحْرُ قَبْلَ أَنْ تَنْفَدَ كَلِماتُ رَبِّي وَلَوْ جِئْنا بِمِثْلِهِ مَدَداً) الكهف : ١٠٩.

(١٣) إن سوق قصة يوسف عليه‌السلام مساقا واحدا فى موضع واحد ، دون غيرها من القصص ، فيه غير ما ذكر قبل وجوه ، وهى :

أ ـ إن ما فيها من تشبيب النسوة به ، وتضمن الأخبار عن حال امرأة ونسوة افتتن بأبدع الناس جمالا وأرقهم مثالا ، ناسب عدم تكرارها لما فيها من الإغضاء والستر عن ذلك ، وثمة حديث مرفوع فى مستدرك الحاكم ، جاء فيه النهى عن تعليم النساء سورة يوسف.

ب ـ إنها اختصت بحصول الفرج بعد الشدة ، بخلاف غيرها من القصص ، فإن مثالها إلى الوبال ، كقصة إبليس وقوم نوح وقوم هود وقوم صالح وغيرهم ، بذلك اتفقت الدواعى على نقلها لخروجها عن سمت القصص.

ج ـ كرر الله تعالى قصص الأنبياء وساق قصة يوسف مساقا واحدا إشارة إلى عجز العرب ، كأن النبى صلى‌الله‌عليه‌وسلم قال لهم : إن كان من تلقاء نفسى تصويره على للفصاحة فافعلوا فى قصة يوسف ما فعلت فى قصص سائر الأنبياء.

١٤٨

١٤ ـ ذكر الله تعالى قصة نوح وهود وصالح وشعيب ولوط وموسى فى سورة الأعراف وهود والشعراء ، ولم يذكر معهم قصة إبراهيم ، وإنما ذكرها فى سورة الأنبياء ، ومريم ، والعنكبوت ، والصافات ، وهذا لأن السور الأولى ، ذكر الله تعالى فيها نصر رسله ، بإهلاك قومهم ونجاة الرسل وأتباعهم ، أما السور الأخرى فالمقصود ذكر الأنبياء وإن لم يذكر قومهم.

* * *

(٦٩) القلب :

وهو ما اتفق لفظه واختلف معناه ، وهو أنواع :

١ ـ قلب الإسناد ، وهو أن يشمل الإسناد إلى شىء والمراد غيره ، ومنه قوله تعالى : (خُلِقَ الْإِنْسانُ مِنْ عَجَلٍ) الأنبياء : ٣٧ ، أى خلق العجل من الإنسان.

٢ ـ قلب المعطوف ، وهو أن تجعل المعطوف عليه معطوفا ، والمعطوف معطوفا عليه ، كقوله تعالى : (فَأَلْقِهْ إِلَيْهِمْ ثُمَّ تَوَلَّ عَنْهُمْ فَانْظُرْ ما ذا يَرْجِعُونَ) النمل : ٢٨ ، حقيقته : فانظر ما يرجعون ثم تول عنهم ، لأن نظره ما يرجعون من القول غير مئات مع توليه عنهم.

٣ ـ العكس ، وهو أمر لفظى ، كقوله تعالى. (ما عَلَيْكَ مِنْ حِسابِهِمْ مِنْ شَيْءٍ وَما مِنْ حِسابِكَ عَلَيْهِمْ مِنْ شَيْءٍ) الأنعام : ٥٢.

٤ ـ المستوى ، وهو أن الكلمة ، أو الكلمات ، تقرأ من أولها إلى آخرها ، ومن آخرها إلى أولها ، لا يختلف لفظها ولا معناها ، كقوله تعالى : (كُلٌّ فِي فَلَكٍ) الأنبياء : ٣٣.

٥ ـ مقلوب البعض ، وهو أن تكون الكلمة الثانية مركبة من حروف الكلمة الأولى ، مع بقاء بعض حروف الكلمة الأولى ، كقوله تعالى : (فَرَّقْتَ بَيْنَ

١٤٩

بَنِي إِسْرائِيلَ) طه : ٩٤ ، فكلمة «بنى» مركبة من حروف «بين» وهى مفرقة ، إلا أن الباقى بعضها فى الكلمتين ، وهو أولها.

* * *

(٧٠) الكلام :

١ ـ إخراجه مخرج الشك فى اللفظ دون الحقيقة. لضرب من المسامحة وحسم العناد كقوله تعالى : (وَإِنَّا أَوْ إِيَّاكُمْ لَعَلى هُدىً أَوْ فِي ضَلالٍ مُبِينٍ) سبأ : ٢٤ ، وهو يعلم أنه على الهدى وأنهم على الضلال ، ولكنه أخرج الكلام مخرج الشك ، تقاضيا ومسامحة ، ولا شك عنده ولا ارتياب.

٢ ـ خروج الواجب فى صورة الممكن ، كقوله تعالى : (عَسى أَنْ يَبْعَثَكَ رَبُّكَ مَقاماً مَحْمُوداً) الإسراء : ٧٩.

٣ ـ خروج الإطلاق فى صورة التقييد ، كقوله تعالى : (حَتَّى يَلِجَ الْجَمَلُ فِي سَمِّ الْخِياطِ) الأعراف ٤٠.

* * *

(٧١) الكلمة :

١ ـ الزيادة فى بنيتها.

إذا كان اللفظ على وزن من الأوزان ، ثم نقل إلى وزن آخر أعلى منه فلا بد أن يتضمن من المعنى أكثر مما تضمنه أولا ، لأن الألفاظ أدلة على المعانى ، فإذا زيدت فى الألفاظ وجب زيادة المعانى ضرورة ، ومنه قوله تعالى : (فَأَخَذْناهُمْ أَخْذَ عَزِيزٍ مُقْتَدِرٍ) القمر : ٤٢ ، فإن مقتدر أبلغ من قادر.

والزيادة أنواع :

(أ) زيادة بالتكرير ، ومنه قوله تعالى : (فَكُبْكِبُوا فِيها) الشعراء : ٩٤ ،

١٥٠

فلم يقل : وكبوا ، والكبكبة : تكرير الكب ، جعل التكرير فى اللفظ دليلا على التكرير فى المعنى.

(ب) الزيادة بالتشديد ، ومنه قوله تعالى : (فَقُلْتُ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ إِنَّهُ كانَ غَفَّاراً) نوح : ١٠ ، فإن غفارا أبلغ من غافر.

(ج) الزيادة بالتضعيف ، وهو أن يؤتى بالصيغة دالة على وقوع الفعل مرة بعد مرة ، وشرطه أن يكون فى الأفعال المتعدية قبل التضعيف.

٢ ـ خروجها مخرج الغالب ، كقوله تعالى : (وَرَبائِبُكُمُ اللَّاتِي فِي حُجُورِكُمْ مِنْ نِسائِكُمُ) النساء : ٢٣ ، فإن الحجر ليس بقيد عند العلماء ، لكن فائدة التقييد تأكيد الحكم فى هذه الصورة مع ثبوته عند عدمها ، ولهذا قال : (فَإِنْ لَمْ تَكُونُوا دَخَلْتُمْ بِهِنَّ فَلا جُناحَ عَلَيْكُمْ) ولم يقل : فإن لم تكونوا دخلتم بهن ولم يكونوا فى جحوركم ، فدل على أن الحجر خرج مخرج العادة.

* * *

(٧٢) الكناية :

وهى الدلالة على شىء من غير تصريح باسمه ، ولها أسباب ، منها :

١ ـ التنبيه على عظم القدرة ، كقوله تعالى : (هُوَ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ واحِدَةٍ) الأعراف : ١٨٩ ، كناية عن آدم.

٢ ـ فطنة المخاطب ، كقوله تعالى : (ما كانَ مُحَمَّدٌ أَبا أَحَدٍ مِنْ رِجالِكُمْ) الأحزاب : ٤٠ ، أى : زيد ، فكنى.

٣ ـ ترك اللفظ إلى ما هو أجمل منه ، كقوله تعالى : (إِنَّ هذا أَخِي لَهُ تِسْعٌ وَتِسْعُونَ نَعْجَةً وَلِيَ نَعْجَةٌ واحِدَةٌ) ص : ٢٣ ، فكنى بالنعجة عن المرأة ، كعادة العرب.

٤ ـ أن يفحش ذكره فى السمع ، فيكنى عنه بما لا ينبو عنه الطبع ، كقوله تعالى : (وَإِذا مَرُّوا بِاللَّغْوِ مَرُّوا كِراماً) الفرقان ٧٢ ، أى كنوا عن لفظه ولم يوردوه على صيغته.

١٥١

٥ ـ تحسين اللفظ ، كقوله تعالى : (بَيْضٌ مَكْنُونٌ) الصافات : ٤٩ ، فإن العرب كانت من عادتهم الكناية عن حرائر النساء بالبيض.

٦ ـ قصد البلاغة ، كقوله تعالى : (أَوَمَنْ يُنَشَّؤُا فِي الْحِلْيَةِ وَهُوَ فِي الْخِصامِ غَيْرُ مُبِينٍ) الزخرف : ١٨ ، كنى عن النساء بأنهن ينشأن فى الترفه والتزين والتشاغل عن النظر فى الأمور ودقيق المعانى ، ولو أتى بلفظ النساء لم يشعر بذلك. والمراد نفى الأنوثة عن الملائكة ، وكونهم بنات الله ، تعالى الله عن ذلك.

٧ ـ قصد المبالغة فى التشنيع ، كقوله تعالى حكاية عن اليهود : (وَقالَتِ الْيَهُودُ يَدُ اللهِ مَغْلُولَةٌ) المائدة : ٦٤ ، فإن الغل كناية عن البخل ، وكان سبب نزولها أن جماعة كانوا متمولين فكذبوا النبى صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، فكف الله عنهم ما أعطاهم.

٨ ـ التنبيه على مصيره ، كقوله تعالى : (تَبَّتْ يَدا أَبِي لَهَبٍ) المسد : ١ ، أى جهنمى مصيره إلى اللهب.

٩ ـ قصد الاختصار ، ومنه الكناية عن أفعال متعددة بلفظ «فعل» ، كقوله تعالى : (فَإِنْ لَمْ تَفْعَلُوا وَلَنْ تَفْعَلُوا) البقرة : ٢٤ ، أى فإن لم تأتوا بسورة من مثله ولن تأتوا.

١٠ ـ أن يعمد إلى جملة ورد معناها على خلاف الظاهر ، فيأخذ الخلاصة منها ، من غير اعتبار مفرداتها بالحقيقة أو المجاز ، فتعبر بها عن مقصودك ، كقوله تعالى : (الرَّحْمنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوى) طه : ٥ ، فالاستواء كناية عن الملك.

(٧٣) اللغات :

وهذا الوحى ألهم الرسول معناه كما ألهم لفظه ، فهو بمعناه ولفظه من صنع السماء ، والرسول ناطق بلسان السماء ، يملى على قومه ما أملته عليه السماء ، يصور ما تصور فى وعيه ، وينطق بما أنطقته السماء ، تفيض عليه السماء فإذا هو قد خلص لهذا الفيض بكلياته ، وإذا هو إشعاع لهذا الفيض يصدر عنه ويشكل جرسه ، فإذا ما انفصل عنه هذا الفيض عاد يصدر عن نفسه يطوع له نطقه.

١٥٢

ولسان الرسول عربى ، ولهذا جرى القرآن على لسانه عربيّا ، وإذا كان القرآن لسان السماء جرى على لسان الرسول مبينا إلى جريانه عربيّا ، يمثل أعلى ما ينتظمه اللسان العربى من لغات ، وأحوى ما يجمع من لهجات ، وكانت لغة مضر أعلى ما يجرى على لسان قريش وأحواه ، فنزل بها القرآن ، وفى هذا يقول عمر : نزل القرآن بلغة مضر : وكانت لغة مضر هذه تنتظم لغات سبعا لتبائل سبع ، هم : هذيل ، وكنانة ، وقيس ، وضبة ، وتيم الرباب ، وأسد بن خزيمة ، وقريش.

ولقد مثل القرآن هذه اللغات السبع كلها مفرقة فيه لكل لغة منه نصبب. وهو أولى الأقوال بتفسير الحديث «نزل القرآن على سبعة أحرف». (وانظر القراءات).

* * *

(٧٤) المبالغة :

١ ـ وهى أن يكون للشيء صفة ثابتة فتزيد فى التعريف بمقدار شدته أو ضعفه ، فيدعى له من الزيادة فى تلك الصفة ما يستبعد عند السماع ، أو يحيل عقله ثبوته ، كقوله تعالى : (أَوْ كَظُلُماتٍ فِي بَحْرٍ لُجِّيٍّ يَغْشاهُ مَوْجٌ مِنْ فَوْقِهِ مَوْجٌ مِنْ فَوْقِهِ سَحابٌ ظُلُماتٌ بَعْضُها فَوْقَ بَعْضٍ) النور : ٤٠ ، يعنى : ظلمة البحر ، وظلمة الموج فوقه ، وظلمة السحاب فوق الموج.

٢ ـ ومنه المبالغة فى الوصف بطريق التشبيه ، كقوله تعالى : (إِنَّها تَرْمِي بِشَرَرٍ كَالْقَصْرِ. كَأَنَّهُ جِمالَتٌ صُفْرٌ) المرسلات ٣٢ ، ٣٣.

٣ ـ ومنه ما جرى مجرى الحقيقة ، كقوله تعالى : (يَكادُ سَنا بَرْقِهِ يَذْهَبُ بِالْأَبْصارِ) النور : ٤٣ وقد تجىء المبالغة مدبحة ، كقوله تعالى : (سَواءٌ مِنْكُمْ مَنْ أَسَرَّ الْقَوْلَ وَمَنْ جَهَرَ بِهِ وَمَنْ هُوَ مُسْتَخْفٍ بِاللَّيْلِ وَسارِبٌ بِالنَّهارِ) الرعد : ١٠ ، فإن المبالغة فى هذه الآية مدبحة فى المقابلة ، وهى بالنسبة إلى من تخاطب لا إلى

١٥٣

من يخاطب ، والمعنى : أن علم ذلك متعذر ، عندكم ، وإلا فهو بالنسبة إليه سبحانه ليس بمبالغة.

(٧٥) المبهمات :

ولها أسباب :

١ ـ أن يكون أبهم فى موضع استغناء ببيانه فى آخر فى سياق الآية ، كقوله تعالى : (الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ) الفاتحة : ٧ ، بينه بقوله : (مِنَ النَّبِيِّينَ وَالصِّدِّيقِينَ وَالشُّهَداءِ وَالصَّالِحِينَ) النساء : ٦٩.

٢ ـ أن يتعين لاشتهاره ، كقوله تعالى : (اسْكُنْ أَنْتَ وَزَوْجُكَ الْجَنَّةَ) البقرة : ٣٥ ، ولم يقل : حواء ، لأنه ليس غيرها.

٣ ـ قصد الستر عليه ، ليكون أبلغ فى استعطافه ، ولهذا كان النبى صلى‌الله‌عليه‌وسلم إذا بلغة عن قوم شىء خطب فقال : ما بال رجال قالوا كذا ، وهو غالب ما فى القرآن الكريم ، كقوله تعالى : (أَوَكُلَّما عاهَدُوا عَهْداً نَبَذَهُ فَرِيقٌ مِنْهُمْ) البقرة : ١٠٠ ، قيل : هو مالك بن الصيف وكان من أحبار يهود ، فقال حين بعث رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، وذكر لهم ما أخذ عليهم من الميثاق وما عهد الله إليهم فيه : والله ما عهد إلينا فى محمد عهد ، وما أخذ له علينا من ميثاق.

٤ ـ ألا يكون فى تعيينه كثير فائدة ، كقوله تعالى : (أَوْ كَالَّذِي مَرَّ عَلى قَرْيَةٍ) البقرة : ٢٥٩ ، والمراد بها : بيت المقدس.

٥ ـ التنبيه على التعميم ، وهو غير خاص بخلاف ما لو عين ، كقوله تعالى : (وَمَنْ يَخْرُجْ مِنْ بَيْتِهِ مُهاجِراً إِلَى اللهِ وَرَسُولِهِ) النساء : ١٠٠ ، قيل : هو ضمرة ابن العيص ، وكان من المستضعفين بمكة ، وكان مريضا ، فلما نزلت آية الهجرة ، خرج منها فمات بالتنعيم ، وهو موضع بمكة.

١٥٤

٦ ـ تعظيمه بالوصف الكامل دون الاسم ، كقوله تعالى : (وَلا يَأْتَلِ أُولُوا الْفَضْلِ مِنْكُمْ) النور : ٢٢ ، قيل : هو الصديق حين حلف ألا ينفع مسطح بن أثاثة بنافعة أبدا بعد ما قال فى عائشة ما قال فى حديث الإفك.

٧ ـ تحقيره بالوصف الناقص ، كقوله تعالى : (إِنَّ شانِئَكَ هُوَ الْأَبْتَرُ) الكوثر : ٦٣ ، والمراد : العاصى بن وائل.

٨ ـ أن يكون للشخص اسمان فيقتصر على أحدهما دون الآخر لنكتة ، كقوله تعالى : (يا بَنِي إِسْرائِيلَ) البقرة : ٤٠ ، ولم يذكروا فى القرآن إلا بهذا دون (يا بنى يعقوب).

٩ ـ المبالغة فى الصفات للتنبيه أن على المراد إنسان بعينه ، كقوله تعالى : (وَلا تُطِعْ كُلَّ حَلَّافٍ مَهِينٍ. هَمَّازٍ مَشَّاءٍ بِنَمِيمٍ) القلم : ١٠ ، ١١ ، قيل : إنه أمية ابن خلف.

* * *

(٧٦) المتشابه ـ (وانظر : المحكم والمتشابه).

وهو إيراد القصة الواحدة فى صور شتى وفواصل مختلفة ، ويكثر فى إيراد القصص والأنباء ، وحكمته التصرف فى الكلام وإتيانه على ضروب ، وفيه فصول :

(ا) أن يكون باعتبار الأفراد ، وهو على أقسام :

١ ـ أن يكون فى موضع على نظم ، وفى آخر على عكسه ، يقول تعالى فى سورة البقرة : (وَادْخُلُوا الْبابَ سُجَّداً وَقُولُوا حِطَّةٌ) البقرة : ٥٨ ، ويقول تعالى فى سورة الأعراف : (وَقُولُوا حِطَّةٌ وَادْخُلُوا الْبابَ سُجَّداً) الأعراف : ١٦١.

٢ ـ ما يشتبه بالزيادة والنقصان ، يقول تعالى فى سورة البقرة : (سَواءٌ عَلَيْهِمْ أَأَنْذَرْتَهُمْ أَمْ لَمْ تُنْذِرْهُمْ) البقرة : ٦ ، ويقول تعالى فى سورة يس : (وَسَواءٌ)

١٥٥

يس : ١٠ ، بزيادة واو ، لأن ما فى البقرة جملة هى خبر عن اسم «ان» ، وما فى يس جملة عطف بالواو على جملة.

٣ ـ التقديم والتأخير ، وهو قريب من الأول ، يقول تعالى فى سورة البقرة : (يَتْلُوا عَلَيْهِمْ آياتِكَ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتابَ وَالْحِكْمَةَ وَيُزَكِّيهِمْ) البقرة : ١٢٩ ، ويقول تعالى فى سورة الجمعة : (وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتابَ وَالْحِكْمَةَ) الجمعة : ٢.

٤ ـ التعريف والتنكير ، يقول تعالى فى سورة البقرة : (وَيَقْتُلُونَ النَّبِيِّينَ بِغَيْرِ الْحَقِ) البقرة : ٦١ ، ويقول تعالى فى سورة آل عمران : (بِغَيْرِ حَقٍ) آل عمران : ١١٢.

٥ ـ الجمع والإفراد ، يقول تعالى فى سورة البقرة : (لَنْ تَمَسَّنَا النَّارُ إِلَّا أَيَّاماً مَعْدُودَةً) البقرة : ٨٠ ، ويقول تعالى فى سورة آل عمران : (مَعْدُوداتٍ) آل عمران : ٢٤ ، والأصل فى الجمع إذا كان واحدة مذكرا ، أن يقتصر فى الوصف على التأنيث ، فجاء فى البقرة على الأصل ، وفى آل عمران على النوع.

٦ ـ إبدال حرف بحروف غيره ، يقول تعالى فى سورة البقرة : (اسْكُنْ أَنْتَ وَزَوْجُكَ الْجَنَّةَ وَكُلا) البقرة : ٣٥ ، بالواو ، ويقول تعالى فى سورة الأعراف : (فَكُلا) الأعراف : ١٩ ، بالفاء. وحكمته أن «اسكن» فى البقرة ، من السكون ، الذى هو الإقامة ، فلم يصلح إلا بالواو ، ولو جاءت الفاء لوجب تأخير الأكل ، إلى الفراغ من الإقامة ، والذى فى الأعراف ، من السكن ، وهو اتخاذ الموضع سكنا ، فكانت الفاء أولى ، لأن المسكن لا يستدعى زمنا متجددا.

٧ ـ إبدال كلمة بأخرى ، يقول تعالى فى سورة البقرة : (ما أَلْفَيْنا عَلَيْهِ آباءَنا) البقرة : ١٧٠ ، ويقول تعالى فى سورة لقمان : (وَجَدْنا) لقمان : ٢١.

٨ ـ الإدغام وتركه ، يقول تعالى فى سورة النساء : (وَمَنْ يُشاقِقِ الرَّسُولَ) النساء : ١١٥ ، ويقول تعالى فى سورة الحشر : (وَمَنْ يُشَاقِ) الحشر : ٤.

١٥٦

(ب) ما جاء على حرفين :

ومنه قوله تعالى : (لَعَلَّكُمْ تَتَفَكَّرُونَ) فقد جاءت مرتين فى البقرة : ٢١٩ ، ٢٦٦.

(ج) ما جاء على ثلاثة أحرف :

ومنه قوله تعالى : (أَوَلَمْ يَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ) فى الروم : ٩ ، وفى فاطر : ٤٤.

وفى غافر (المؤمن) : ٢١.

(د) ما جاء على أربعة أحرف :

ومنه قوله تعالى : (مَنْ فِي السَّماواتِ وَمَنْ فِي الْأَرْضِ) بتكرير «من» فى : يونس : ٦٦ ، والحج : ١٨ ، والنمل : ٨٧ ، والزمر : ٦٨.

(ه) ما جاء على خمسة حروف :

ومنه قوله تعالى : (حَكِيمٌ عَلِيمٌ) فى الأنعام ثلاثة : ٨٣ ، ١٢٨ ، ١٣٩ ، وفى الحجر : ٢٥ ، وفى النمل : ٦.

(و) ما جاء على ستة حروف :

ومنه قوله تعالى : (إِنَّ فِي ذلِكَ لَآياتٍ لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ) فى الأنعام : ٩٩ ، وفى النحل : ٧٩ ، وفى النمل : ٨٦ ، وفى العنكبوت : ٢٤ ، وفى الروم : ٣٧ ، وفى الزمر : ٥٢.

(ز) ما جاء على سبعة حروف :

ومنه قوله تعالى : (لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ) فى البقرة : ٢٢١ ، وفى إبراهيم : ٢٥ ، وفى القصص : ٤٣ ، ٤٦ ، ٥١ ، وفى الزمر : ٢٧ ، وفى الدخان : ٥٨.

(ح) ما جاء على ثمانية حروف :

ومنه مجىء النفع قبل الضر ، فى الأنعام : ٧١ ، وفى الأعراف : ٨٨. وفى يونس : ١٠٦ ، وفى الرعد : ١٦ ، وفى الأنبياء : ٦٦ ، وفى الفرقان : ٥٥ ، وفى الشعراء : ٧٣ ، وفى سبأ : ٤٢.

(ط) ما جاء على تسعة حروف :

ومنه قوله تعالى : (مَنْ فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ) بغير تكرار «من» فى آل عمران :

١٥٧

٨٣ ، وفى الرعد : ١٥ ، وفى الإسراء : ٥٥ ، وفى مريم : ٩٣ ، وفى الأنبياء : ١٩ ، وفى النور : ٤١ ، وفى النمل : ٦٥ ، وفى الروم : ٢٦ ، وفى الرحمن : ٢٩.

(ى) ما جاء على عشرة أحرف :

ومنه قوله تعالى : (أَنْ لا) تكتب فى المصحف بالنون منفصلة فى عشرة مواضع ، فى الأعراف : ١٠٥ ، ١٦٩ ، وفى التوبة : ١١٨ ، وفى هود : ١٤ ، ٢٦ ، وفى الحج : ٢٦ ، وفى يس : ٦٠ ، وفى الدخان : ١٩ ، وفى الممتحنة : ١٢ ، وفى القلم : ٢٤.

(ك) ما جاء على أحد عشر حرفا :

ومنه قوله تعالى : (جَنَّاتِ عَدْنٍ) فى التوبة : ٧٢ ، وفى الرعد : ٢٣ ، وفى النحل : ٣١ ، وفى الكهف : ٣١ ، وفى مريم : ٦١ ، وفى طه : ٧٦ ، وفى فاطر : ٣٣ ، وفى ص : ٥٠ ، وفى غافر : ٨ ، وفى الصف : ١٢ ، وفى البينة : ٨.

(ل) ما جاء على خمسة عشر وجها :

ومنه قوله تعالى : (جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ) وليس فيها «خالدين» فى البقرة : ٢٥ ، ٢٦٦ ، وفى آل عمران : ١٩٥ ، وفى المائدة : ١٢ ، وفى الرعد : ٣٥ ، وفى النحل ٣١ ، وفى الحج : ١٤ ، ٢٣ ، وفى الفرقان : ١٠ ، وفى الزمر : ٢٠ وفى القتال : ١٢ ، وفى الفتح : ٥ ، وفى الصف : ١٢ ، وفى التحريم : ٨ ، وفى البروج : ١١.

(م) ما جاء على عشرين وجها :

ومنه قوله تعالى : (إِنَّ فِي ذلِكَ لَآيَةً) على التوحيد ، فى البقرة : ٢٤٨ ، وفى آل عمران : ٤٩ ، وفى هود : ١٠٣ ، وفى الحجر : ٧٧ ، وفى النحل : ١١ ، ١٣ ، ٦٥ ، ٦٧ ، ٦٩ ، وفى الشعراء : ٨ ، ٦٧ ، ١٠٣ ، ١٢١ ، ١٣٩ ، ١٥٨ ، ١٧٤ ، ١٩٠ ، وفى النمل : ٥٢ ، وفى العنكبوت : ٤٤ ، وفى سبأ : ٩.

* * *

١٥٨

(٧٧) المثنى :

(١) إطلاقه وإرادة الواحد ، كقوله تعالى : (يَخْرُجُ مِنْهُمَا اللُّؤْلُؤُ وَالْمَرْجانُ) الرحمن : ٢٢ ، وإنما يخرج من أحدهما.

(٢) إطلاقه وإرادة الجمع ، كقوله تعالى : (ثُمَّ ارْجِعِ الْبَصَرَ كَرَّتَيْنِ) الملك : ٤ ، والمعنى : كرات ، لأن البصر لا يحصر إلا بالجمع.

* * *

(٧٨) المجاز (انظر : الحقيقة والمجاز).

* * *

(٧٩) المحاذاة :

وهو أن يؤتى باللفظ على وزن الآخر ، لأجل انضمامه إليه ، وإن كان لا يجوز فيه ذلك لو استعمل منفردا ، ومن هذا كتابة المصحف (وَاللَّيْلِ إِذا سَجى) الضحى : ٢ ، بالياء ، وهو من ذوات الواو ، لما قرن بغيره مما يكتب بالياء.

* * *

(٨٠) والمحكم والمتشابه :

وصف القرآن الكريم :

(١) بأنه كله محكم ، لقوله تعالى : (كِتابٌ أُحْكِمَتْ آياتُهُ) هود : ١.

(٢) وبأنه كله متشابه ، لقوله تعالى : (اللهُ نَزَّلَ أَحْسَنَ الْحَدِيثِ كِتاباً مُتَشابِهاً) الزمر : ٢٣.

(٣) وأن منه محكما ومنه متشابها ، وهو الصحيح ، لقوله تعالى : (مِنْهُ آياتٌ مُحْكَماتٌ هُنَّ أُمُّ الْكِتابِ ، وَأُخَرُ مُتَشابِهاتٌ) آل عمران : ٧.

والمحكم : ما أحكمته بالأمر والنهى وبيان الحلال والحرام.

وقيل : هو الذى لم ينسخ.

وقيل : هو الناسخ.

وقيل : والذى وعد الله تعالى عليه ثوابا أو عقابا.

١٥٩

وقيل : الذى تأويله تنزيله ، يجعل القلوب تعرفه عند سماعه ، كقوله تعالى : (قُلْ هُوَ اللهُ أَحَدٌ) الإخلاص : ١.

وقيل : ما لا يحتمل فى التأويل إلا وجها واحدا.

وقيل : ما تكرر لفظه.

وأما المتشابه ، فهو المشتبه الذى يشبه بعضه بعضا.

وقيل : هو المنسوخ غير المعمول به.

وقيل : القصص والأمثال.

وقيل : ما أمرت أن تؤمن به وتكل علمه إلى عالمه.

وقيل : فواتح السور.

وقيل : ما لا يدرى إلا بالتأويل ، ولا بد من صرفه إليه.

وقيل : الآيات التى يذكر فيها وقت الساعة ، ومجىء الغيث ، وانقطاع الآجال.

وقيل : ما يحتمل وجوها.

وقيل : ما لا يستقل بنفسه إلا برده إلى غيره.

* * *

(٨١) المشاكلة :

وهى نوعان :

١ ـ شاكلة اللفظ للفظ ، وهذه تكون :

(ا) المشاكلة بالثانى للأول ، كقوله تعالى : (وَامْسَحُوا بِرُؤُسِكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ) المائدة : ٦ : بالجر على مذهب الجمهور ، وأن الجر للجوار.

(ب) المشاكلة بالأول للثانى ؛ كقوله تعالى : (الحمد لله) بكسر الدال ، وهى أفصح من ضم اللام للدال ، وهى قراءة إبراهيم بن أبى عبيلة.

٢ ـ مشاكلة اللفظ للمعنى ، كقوله تعالى : (إن مثل عيسى عند الله كمثل آدم

١٦٠